فصل: سنة خمس وعشرين ومائتين وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة خمس وعشرين ومائتين وألف:

.شهر صفر الخير سنة 1225:

واستهل بيوم الأربعاء فيه قلد الباشا خليل أفندي النظر على الروزنامجي وكتابه وسموه كاتب الذمة أي ذمة الميري من الإيراد والمصرف وكان ذلك عند فتح الطلب بالميري عن السنة الجيدي فلا يكتب تحويل ولا تنبيه ولا تذكرة حتى يطلعوه عليها ويكتب عليها علامته فتكدر من ذلك الروزنامجي وباقي الكتبة وهذه أول دسيسة أدخلوها في الروزنامة وابتداء فضيحتها وكشف سرها وذلك بإغراء بعض الأفندية الخاملين أنهى إليهم أن الروزنامجي ومن معه من الكتاب يوفرون لأنفسهم الكثير من الأموال الميرية ويتوسعون فيها وفي ذلك إجحاف بمال الخزينة وخليل أفندي هذا كان كاتب الخزينة عند محمد باشا خسرو ولا يفيق من الشرب.
وفيه طلب الباشا ثلاثة أشخاص من كتبة الأقباط الذين كانوا متقيدين بقياس الأراضي بالمنوفية وضربهم وحبسهم لكونه بلغه عنهم أنهم أخذوا البراطيل والرشوات على قياس طين أراضي بعض البلاد ونقصوا من القياس فيما ارتوى من الطين وهي البدعة التي حدثت على الطين الري وسموها القياسة وقد تقدم ذكرها غير مرة وحررت في هذه السنة على الكامل لكثرة النيل وعموم الماء الأراضي على أنه بقي الكثير من بلاد البحيرة وغيرها شراقي بسبب عدم حفر الترع وحبس الحبوس وتجسير الجسور واشتغال الفلاحين والملتزمين بالفرض المظالم وعجزهم عن ذلك.
وفي خامسه طلب الباشا كشاف الأقاليم وشرع في تقريري فرضة على البلاد بما يقتضيه نظره ونظر كشاف الأقاليم والمعلمين: البط فقرروا على أعلاها ثمانين كيساً والأدنى خمسة عشر كيساً ولم يتقيد بتحرير ذلك أحد من الكتبة الذين يحررون ذلك بدفاتر ويوزعونها على مقتضى الحال، ولم يعطوا بالمقادير أوراقاً لملتزمي الحصص، كما كانوا يفعلون قبل ذلك فإن الملتزم كان إذا بلغه تقرير فرضة تدارك أمره وذهب إلى ديوان الكتبة وأخذ علم القدر المقرر على حصته وتكفل بها وأخذ منهم مهلة بأجل معلوم وكتب على نفسه وثيقة وأبقاها عندهم، ثم يجتهد في تحصيل المبلغ من فلاحيه وإن لم يسعفوه في الدفع وحولوا عليه الكلب دفعه من عنده إن كان ذا مقدرة أو استدانه وبو بالربا، ثم يستوفيه بعد ذلك من الفلاحين شيئاً فشيئاً كل ذلك حرصاً على راحة فلاحي حصته وتأمينهم واستقرارهم في وطنهم ليحصل منهم المطلوب من المال الميري وبعض ما يقتاتون به هم وعيالهم وإن لم يفعل ذلك تحول باستخلاص ذلك من كاشف الناحية وعين على الناحية الأعوان بالطلب الحثيث وما ينضاف إلى ذلك من حق طرق المعينين وكلفهم وإن تأخر الدفع تكرر الإرسال والطلب على النسق المشروح فيتضاعف الهم وربما ضاع في ذلك قدر الأصل المطلوب وزيادة عنه مرة أو مرتين والذي يقبضونه يحبسونه بالفرط وهو في كل ريال عشرة أنصاف فضة يسمونها ديواني فيقبض المباشر عن الريال تسعين نصفاً فضة ويجعل التسعين ثمانين وذلك خلاف ما يقرره في أوراق الرسم من خدم المباشرين من كتبة القبط فينكشف حال الفلاح ويبيع ما عنده من الغلة والبهيمة، ثم يفر من بلدته إلى غيرها فيطلبه الملتزم ويبعث إليه المعيني من كاشف الناحية بحق طريق أيضاً فربما أداه الحال إن كان خفيف العيال والحركة إلى الفرار والخروج من الإقليم بالكلية، وقد وقع ذلك حتى امتلأت البلاد الشامية والرومية من فلاحي قرى مصر الذين جلوا عنها وخرجوا منها وتغربوا عن أوطانهم من عظيم هول الجور وإذا ضاق الحال بالملتزم وكتب له عرضحال يشكو حاله وحال بلده أو حصته وضعف حالها ويرجو التخفيف وتجاسر وقدم عرضحال إلى الباشا يقال له هات التقسيط وخذ ثمن حصتك أو بدلها أو يعين له ترتيباً بقدر فائظها على بعض الجهات الميرية من المكوس والجمارك التي أحدثوها فإن سلم سنده، وكان ممن يراعي جانبه حول إلى بعض الجهات المذكورة صورة وإلا أهمل أمره وبعضهم باعها لهم بما انكسر عليه من مال القرض وقد وقع ذلك الكثير من أصحاب الذمم المتعددة انكسر عليه مقادير عظيمة فنزل عن بعضها وخصموا له ثمنها من المنكسر عليه من الفرضة وبقي عليه الباقي يطالب به فإن حدثت فرضة أخرى قبل غلاق الباقي وقعد بها وضمت إلى الباقي وقصرت يده لعجز فلاحيه واستدان بالربا من العسكر تضاعف الحال وتوجه عليه الطلب من الجهتين فيضطر إلى خلاص نفسه وينزل عما بقي تحت يده كالأول وقد يبقى عليه الكسر ويصبح فارغ اليد من الالتزام ومديوناً وقد وقع ذلك لكثير كانوا أغنياء ذوي ثروة وأصبحوا فقراء محتاجين من حيث لا يشعرون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفيه تحركت همم الأمراء المصريين القبليين إلى الحضور إلى ناحية مصر بعد ترداد الرسل والمكاتبات وحضور ديوان أفندي ورجوعه وحضور محمد بك المنفوخ أيضاً وكل من حضر منهم أنعم عليه الباشا وألبسه الخلع ويقدم له التقادم ويعطيه المقادير العظيمة من الأكياس وقصده الباطني صيدهم حتى أنه كان أنعم على محمد بك المنفوخ بالتزام جمرك ديوان بولاق ثم عوضه عنه ستمائة كيس وغير ذلك.
وفيه قلد الباشا نظر المهمات لصالح بن مصطفى كتخدا الرزاز ونقلوا ورشة الحدادين ومنافخهم وعددهم من بيت محمد أفندي طبل الودنلي المعروف بناظر المهمات إلى بيت صالح المذكور بناحية التبانة وكذلك العربجية وصناع الجلل والمدافع ونزعوا منه أيضاً معمل البارود وكان تحت نظره وكذلك قاعة الفضة وجمرك اللبان وغيره.
وفيه وصلت الأخبار من البلاد الرومية والشامية وغيرها بوقوع الزلزلة في الوقت الذي حصلت فيه بمصر إلا أنها كانت أعظم وأشد وأطول مدة وحصل في بلاد كريت إتلافات كثيرة وهدمت أماكن ودوراً كثيرة وهلك كثير من الناس تحت الردم وخسفت أماكن وتكسر على ساحل مالطة عدة مراكب وحصل أيضاً باللاذقية خسف وحكى الناقلون أن الأرض انشقت في جهة من اللاذقية فظهر في أسفلها أبنية انخسفت بها الأرض قبل ذلك ثم انطبقت ثانياً.
وفيه من الحوادث ما وقع ببيت المقدس وهو أنه لما احترقت القمامة الكبرى، كما تقدم ذكر حرقها في العام الماضي عرضوا إلى الدولة فبرز الأمر السلطاني بإعادة بنائها وعينوا لذلك آغا قابجي وعلى يده مرسوم شريف فحضر إلى القدس وحصل الاجتهاد في تشهيل مهمات العمارة وشرعوا في البناء على وضع أحسن من الأول وتوسعوا في مسحة جرمها وأدخلوا فيها أماكن مجاورة لها وأتقنوا البناء إتقاناً عجيباً وجعلوا أسوارها وحيطانها بالحجر النحيت ونقلوا من رخام المسجد الأقصى فقام بمنع ذلك من جماعة من الأشراف الينكجرية وشنعوا على الآغا المعين وعلى كبار البلدة وتعصبوا حماية للدين قائلين أن الكنائس إذا خربت لا يجوز إعادتها إلا بأنقاضها ولا يجوز الاستعلاء بها ولا تشييدها ولا أخذ رخام الحرم القدسي ليوضع في الكنيسة ومانعوا في ذلك فأرسل ذلك الآغا المعين إلى يوسف باشا يعرفه عن المعارضين لأوامر الدولة فأرسل يوسف باشا طائفة من عسكره في عدة وافرة فوصلوا من طريق الغور وهو مسلك موصل إلى القدس قريب المسافة خلاف الطريق المعتاد فدهموا الجماعة المعارضين على حين غفلة وحاصروهم في دير وقتلوهم عن آخرهم وهم نيف وثلاثون نفراً وشيدوا القمامة، كما أرادوا أعظم وأضخم مما كانت عليه قبل حرقها فنسأل المولى السلامة في الدين.

.شهر ربيع الأول سنة 1225:

واستهل بيوم الخميس فيه وصلت الأمراء المصريون القبالي إلى ناحية بني سويف وكثير من الأجناد إلى مصر وترددت الرسل وحضر ديوان أفندي، ثم رجع ثانياً إليهم.
وفيه أمر الباشا كتاب بعمل حساب حسنين أفندي الروزنامجي عن السنتين الماضيتين وهما سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين وذلك بإغراء البعض منهم فاستمروا في عمل الحساب أياماً فزاد لحسين أفندي مائة وثمانون كيساً، فلم يعجب الباشا ذلك واستخونهم في عمل الحساب، ثم ألزمه بدفع أربعمائة كيس وقال أنا كنت أريد منه ستمائة كيس وقد سامحته في مائتين في نظير الذي تأخر له وطلع في صبحها إلى الباشا وخلع عليه فروة باستقراره في منصبه ونزل إلى داره، فلما كان بعد الغروب حضر إليه جماعة من العسكر في هيئة مزعجة ومعهم مشاعل وطلبوا الدفاتر وهم يقولون معزول معزول وأخذوا الدفاتر وذهبوا وحولوا عليه الحوالات بطلب الأربعمائة كيس فاجتهد في تحصيلها ودفعها، ثم ردوا له الدفاتر ثانياً.
وفيه حصلت كائنة أحمد أفندي المعروف باليتيم من كتاب الروزنامة وذلك أن الباشا كان ببيت الأزبكية فوصل إليه مكتوب من كاشف إقليم الدقهلية يعرفه فيه أنه قاس قطعة أرض جارية في إقطاع أحمد أفندي المذكور فوجد مساحتها خلاف القيد بدفتر المقياس الأول ومسقوط منها نحو خمسمائة فدان وذلك من فعل المذكور ومخامرته مع النصارى الكتبة والمساحين لأنهم يراعونه ويدلسون معه لأن دفاتر الروزنامة بيده، فلما قرأ المكتوب أمر في الحال بالقبض على أحمد أفندي وسجنه وكان السيد محمد المحروقي حاضراً وكذلك علي كاشف الكبير الألفي فترجيا عند الباشا وأخبراه بأن المذكور مريض بالسرطان في رجله ولا يقدر على حركتها واستأذنه السيد المحروقي بأن يأخذه إلى داره فإن داره باب من أبوابه فأجابه إلى ذلك وركب في الحال ولحق بالمعيني وكانوا قد وصلوا إليه وأزعجوه فمنعهم عنه وأخذه إلى داره وراجع الباشا في أمره فقرر عليه ثمانين كيساً بعد أن قال أني كنت أريد أن أقول ثلاثمائة كيس فسبق لساني فقلت مائة كيس، وقد تجاوزت لأجلك عن عشرين كيساً وهو يقدر على أكثر من ذلك لأنه يفعل كذا وكذا وعدد أشياء تدل على أنه ذو غنية كبيرة منها أنه لما سافر إلى الباشا بدفتر الفرضة إلى ناحية أسيوط طلع إلى البلدة في هيئة وصحبته فرش وسحاحير وبشخانات وكرارات وفراشون وخدم وكيلارجية ومصاحبجية والحكيم والمزين، فلما شاهد الباشا هيئته سأل عنه وعن منصبه فقيل له أنه جاجرت من كتبة الروزنامة فقال إذا كان جاجرت بمعنى تلميذ فكيف يكون باش جاجرت أو قلقاوات لإقليم فضلاً عن كبيرهم الروزنامجي وأي شيء ذلك وأسر ذلك في نفسه وطفق يسأل ويتجسس عن أحوالهم لأنه من طبعه الحقد والحسد والتطلع لما في أيدي الناس ولما قلد خليل أفندي كتابة الذمة في الروزنامة، كما تقدم انضم إليه الكارهون للمذكور الذين كانوا خاملي الذكر بوجوده وتوصلوا إلى باب الباشا وكتخدا بك وأنهوا فيه أنه يتصرف في الأموال الميرية كما يختار وأن حسين أفندي الروزنامجي لا يخرج عن مراده وإشارته وبيته مفتوح للضيفان ويجتمع عنده في كل ليلة عدة من الفقراء يثرد لهم الثريد في القصاع ويواسي الكثير من أهل العلم وغيرهم ويتعهد بكثير من الملتزمين بالفرض التي تقرر على حصصهم ويضمها في حسابه ويصبر عليهم حتى يوفرها له في طول الزمن ونحو ذلك وكل ما ذكر دليل على سعة الحال والمقدرة وأما الذنب الذي أخذه به فإن القدر المذكور من الطين كان من الموات فاتفق المذكور مع شركائه ملتزمي الناحية وجرفوه وأحيوه وأصلحوه بعد أن كان خرساً ومواتاً لا ينتفع به وجعلوه صالحاً للزراعة وظن أن ذلك لا يدخل في المساحة فأسقطه منها فوقع له ما وقع وأسقطوا اسمه من كتاب الروزنامة ومنعوه منها وانقطع في داره وزاد به ألم رجله.
وفيه انحرف أيضاً الباشا على الخواجا محمود حسن وعزله من الجمارك والبرزجانية وأكل عليه المطلوب له وهو مبلغ ألفان وخمسون كيساً.

.شهر ربيع الثاني سنة 1225:

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت، وفيه وصلت الأخبار من البلاد الحجازية بنزول سيل عظيم حصل منه ضرر كثير وهدم دوراً كثيرة بمكة وجدة وأتلف كثيراً م البضائع للتجار حكوا أنه هدم بمكة خاصة ستمائة دار وكان ذلك في شهر صفر.
وفيه وصل الأمراء المصريون إلى ناحية الرقق وأوائلهم وصلوا إلى دهشور وخرج إليهم الأتباع بالملاقاة من بيوتهم وأحبابهم وذهب إليهم مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وديوان أفندي، ثم الباشا، ثم في أثرهم طوسون ابن الباشا وقدم له إبراهيم بك تقادم وأقام بوطاقه أياماً، ثم رجعوا وكثر ترداد المراسلات والاختلافات في أمر الشروط.
وفي خامسه حضر عثمان بك يوسف وصحبته صنجق آخر فطلعا إلى القلعة وقابلا الباشا، ثم رجعا وحضرا في ثاني يوم كذلك فخلع عليهما خلعاً وأعطاهما أكياساً وأرسل إلى إبراهيم بك هدايا وإلى سليم بك المحرمجي المرادي أيضاً.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره وصل الجميع إلى الجيزة ونصبوا وكطاقهم خارج الجيزة وصحبتهم عربان وهوارة كثيرة وانتزروا أن الباشا يضرب لحضورهم مدافع، فلم يفعل وقال إبراهيم بك سبحان الله ما هذا الاحتقار ألم أكن أمير مصر نيفاً وأربعين سنة وتقلدت قائمقامية ولايتها ووزارتها مراراً وبالآخرة صار من أتباعي وأعطيه خرجه من كيلاري، ثم أحضر أنا وباقي الأمراء على صورة الصلح فلا يضرب لنا مدافع، كما يفعل لحضور بعض الإفرنج وتأثر من ذلك وأشيع في الناس تعدية الباشا من الغد للسلام على إبراهيم بك، فلم يثبت وظهر أنه لم يفعل وأصبح مبكراً إلى شبرا وجلس في قصره وحضر إليه شاهين بك الألفي في سفينة ووقع بينهما مكالمات ورجع من عنده عائداً إلى الجيزة منفعل الخاطر ثم أن الباشا عرض عساكره فاجتمع إليه الجميع وبدا اللغط وكثرت القلقة وعندما وصل شاهين بك إلى الجيزة أزر حريمه وأركبهن وأرسلهن إلى الفيوم ونقل متاعه وفرشه من قصر الجيزة في بقية اليوم وكسر المرايات وزجاج الشبابيك التي في مجالسه الخاصة، ثم ركب في طوائفه وأتباعه وخشداشينه ومماليكه وذهب إلى عرضي إخوانه وقبيلته ونصب خيامه ووطاقه بحذائهم واجتمع بهم وتصافى معهم وقد كان حضر إليه عبد الرحمن بك تابع عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحول دماغه واتفق معه على الانضمام إليهم والخروج عن الباشا ففعل ما فعل وجعلوه رئيس الأمراء المرادية.
وفي ذلك اليوم عدى حسن باشا وصالح آغا قوج إلى بر الجيزة وذهبا إلى عرضي الأمراء وسلما عليهم وتغديا عند شاهين بك وجرى بينهما وبين إبراهيم بك كلام كثير وقال له حسن باشا أنكم وصلتم إلى هنا لتمام لصلح على الشروط التي حصلت بينكم وبين الباشا والاتفاق الذي جرى بأسيوط ويكون تمامه عند وصولكم إلى الجيزة واجتماعكم، وقد حصل فقال له إبراهيم بك وما هي الشروط قال هي أن تدخلوا تحت حكمه وطاعته وهو يوليكم المناصب التي تريدونها بشرط أن تقوموا بدفع الفرض التي يقررها على النواحي والغلال الميرية والخراج وتعيين من يريده منكم صحبة العساكر الموجهة إلى البلاد الحجازية لفتح الحرمين وتكونوا معه أمراء مطيعين وهو يعطيكم الأمريات والإنعامات الجزيلة ويعمر لكم ما تريدونه من الدور والقصور التي لكم ولأتباعكم على طرفه لا يكلفكم بشيء من الأشياء وقد رأيتم وسمعتم ما فعله من الإكرام والإنعام على شاهين بك وما أعطاه من المماليك والجواري الحسان وشفاعاته عنده لا ترد وأطلق له التصرف في البر الغربي من رشيد إلى الفيوم إلى بني سويف والبهنسا مما هو تحت حكمه ويراعي بجانبه إلى الغاية فقال له إبراهيم بك نعم إنه فعل مع شاهين بك ما لا تفعله الملوك فضلاً عن الوزراء وليس ذلك لسابق معروف فهل شاهين بك معه ليستحق به ذلك بل هو لغرض سوء يكمنه في نفسه وشبكة يصطاد بها غيره فإننا سبرنا أحواله وخيانته وشاهدنا ذلك في كثير ممن خدموه ونصحوا معه حتى ملكوه هذه المملكة قال ومن هم قال أو لهم مخدومه محمد باشا خسرو، ثم كتخداه وخازنداره عثمان آغا جنج الذي خامر معه وملك مع أخيه المرحوم طاهر باشا القلعة وأحرق سرايته، ثم سلط الأتراك على طاهر باشا حتى قتلوه في داره وأظهر موالاتنا وصداقتنا ومساعدتنا وصبر نفسه من عسكرنا واتحد بعثمان بك البرديسي وأظهر له خلوص الصداقة والأخوة وعاهد بالإيمان حتى أغراه على علي باشا الطرابلسي وجرى ما جرى عليه من القتل ونسب ذلك إلينا، ثم اشتغل معه على خيانته لأخيه الألفي وأتباعه ثم سلط علينا العساكر يطلب العلوفة وأشار على عثمان بك بطلب المال من الرعية حتى وقع لنا ما وقع وخرجنا من مصر على الصورة التي خرجنا عليها لم أحضر أحمد باشا خورشيد وولاه وزيراً، وخرج هو لمحاربتنا، ثم اتضح أمره لأحمد باشا وأراد الإيقاع به فعجل العود إلى مصر وأوقع بينه وبين جنده حتى نفروا منه ونابذوه وألقى إلى السيد عمر والقاضي والمشايخ أن أحمد باشا يريد الفتك بهم فهيجوا العامة والخاصة وجرى ما جرى من الحروب وحرق الدور وبذل السيد عمر جهده في النصح معه بما يظهره له من الحب والصداقة وراجت عليه أحواله حتى تمكن أمره وبلغ مراده وأوقع به وأخرجه من مصر وغربه عن وطه ونقض العهود والمواثيق التي كانت بينه وبينه، كما فعل بعمر بك وغيره وكل ذلك معلوم ومشاهد لكم ولغيركم، فمن يأمن لهذا ويعقد معه صلحاً واعلم يا ولدي أننا كنا بمصر نحو العشر آلاف أو أقل أو أكثر ما بين مقدمي ألوف وأمراء وكشاف وأكابر وجاقات ومماليك وأجناد وطوائف وخدم واتباع مرفهي المعاش بأنواع الملا كل أمير مختص ومعتكف بإقطاعه مع كثرة مصارفنا في الأوقات المعهودة ولا نعرف عسكراً ولا علوفة عسكر والقرى والبلاد مطمئنة والفلاحون ومشايخ البلاد مرتاحون في أوطانهم ومضايفهم مفتوحة للواردين والضيفان مع ما كان يلزم علينا من المصارف الميرية ومرتبات الفقراء وخزينة السلطان وصرة الحرمين والحجاج وعوائد العربان وكلف الوزراء المتولين والأغوات والقابجية المعينين وخدمهم والهدايا السلطانية، وغير ذلك وأفندينا ما كفاه إيراد الإقليم وما أحدثه من الجمارك والمكوس وما قرره على القرى والبلدان من فرض المال والغلال والجمال والخيول والتعدي على الملتزمين ومقاسمتهم في فائظهم ومعاشهم وذلك خلاف مصادرات الناس والتجار في مصر وقراها والدعاوي والشكاوي والتزايد في الجمارك، وما أحدثه في الضربخانة من ضرب القروش النحاس واستغراقها أموال الناس بحيث صار إيراد كل قلم من أقلام المكوس بلإيراد إقليم من الأقاليم ويبخل علينا بما نتعيش به ونحن وعيالنا ومن بقي معنا من أتباعنا ومماليكنا بل وقصده صيدنا وهلاكنا عن آخرنا فقال حسن باشا حاشا الله لم يكن ذلك ودائماً يقول والدنا إبراهيم بك ولكن لا يخفاكم أن الله أعطاه ولاية هذا القطر وهو يؤتي الملك من يشاء ولا ترضى نفسه من يخالف عليه أو يشاركه بالقهر والاستيلاء فإذا صار الصلح ووقع الصفاء أعطاكم فوق ما مولكم فهز إبراهيم بك رأسه وقال صحيح يكون خيراً وانفض المجلس ورجع حسن باشا وصالح قوج وعديا إلى بر مصر. وهو يؤتي الملك من يشاء ولا ترضى نفسه من يخالف عليه أو يشاركه بالقهر والاستيلاء فإذا صار الصلح ووقع الصفاء أعطاكم فوق ما مولكم فهز إبراهيم بك رأسه وقال صحيح يكون خيراً وانفض المجلس ورجع حسن باشا وصالح قوج وعديا إلى بر مصر.
وفي تلك الليلة، خرج جميع من كان بمصر من الأمراء والأجناد المصرية بخيلهم وهجنهم ومتاعهم وعدوا إلى بر الجيزة ولم يبق منهم إلا القليل واجتمعوا مع بعضهم وقسموا الأمر بينهم ثلاثة أقسام قسم للمرادية وكبيرهم شاهين بك وقسم للمحمدية وكبيرهم علي بك أيوب وقسم للإبراهيمية وكبيرهم عثمان بك حسن وكتبوا مكاتبات وأرسلوها إلى مشايخ العربان لم أقف على مضمونها.
وفي يوم الجمعة رابع عشره أوقفوا عساكر على أبواب المدينة يمنعون الخارجين من البلد حتى الخدم ومنعوا التعدية إلى البر الغربي وجمعوا المراكب والمعادي إلى البر الشرقي ونقلوا البضائع التي في مراكب التجار المعدة لسفر رشيد ودمياط المعروفة بالرواحل وأخذوها إليهم وشرعوا في التعدية بطول يوم الجمعة والسبت وعدى الباشا آخر النهار دخل إلى قصر الجيزة الذي كان به شاهين بك وكذا عدوا بالخيام والمدافع والعربات والأثقال واجتمعت طوائف العسكر من الأتراك والأرنؤد والدلاة والسجمان بالجيزة وتحققت المفاقمة والأمراء المصرية خلف السور في مقابلتهم واستمروا على ذلك إلى ثاني يوم والناس متوقعون حصول الحرب بين الفريقين، ولم يحصل وانتقل المصرية وترفعوا إلى قبلي الجيزة بناحية دهشور وزنين.
وفي يوم الاثنين والثلاثاء، أنفق الباشا على العسكر، وكان له مدة شهور لم ينفق عليهم.
وفي ليلة الثلاثاء، ركب الباشا ليلاً وسافر إلى ناحية كرداسة على جرائد الخيل ورجع في ثاني ليلة وكان سبب ركوبه أنه بلغه أن طائفة من العربان مارين يريدون المصرية فأراد أن يقطع عليهم الطريق، فلم يجد أحداً وصادف نجعاً مقيمين في محطة فنهب مواشيهم ورجع تعباً وانقطع عنه أفراد من العسكر، ومات بعضهم من العطش.
وفي يوم الجمعة، ارتحل المصرية وترفعوا إلى ناحية جرزا الهوى بالقرب من الرقق.
وفيه حضر مشايخ عربان أولاد علي للباشا فكساهم وخلع عليهم وألبسهم شالات كشميري عدتها ثمان شالات وأنعم عليهم بمائة وخمسين كيساً وحضر عند المصرية عربان الهنادي ومشايخهم وانضموا إليهم.
وفي يوم الأحد ثالث عشرينه، عدى الباشا إلى بر مصر وذهب إلى بيته بالأزبكية فبات به ليلتين، ثم طلع يوم الثلاثاء إلى القلعة وقد تكدر طبعه من هذه الحادثة بعد أن حصلوا بالجيزة وكاد يتم قصده فيهم وخصوصاً ما فعله شاهين بك الذي أنفق عليه ألوفاً من الأموال ذهبت جميعها في الفارغ البطال.
وفي هذه الأيام أعني منتصف شهر بشنس القبطي زاد النيل زيادة ظاهرة أكثر من ذراع ونصف واستمر أياماً، ثم رجع إلى حاله الأول وهذا من جملة عجائب الوقت.